ترك الصلاة بسبب معاناته من وسواسه بسلس البول
مشكلتي في الصلاة ، أنا للأسف أهملت صلواتي ،
وتقريباً لي سبعة أشهر لم أصلِّ ! مع علمي بعظم هذه المعصية ، وأنا أذكر
إخواني دائما بالصلاة ، وأحذر من التهاون فيها ، وبكل أسف أنا لا أصلي !
أنا لست منافقاً أبدا ، وأنا والله أتمنى أني أستطيع أن أصلي وأنا أكون
كباقي الناس ، لكن والله أنا ما تهاونت فيها إلا بسبب الوساوس القهرية في
الوضوء والغسل وقد يكون هذا الأمر هيناً، لكن المصيبة التي كرهتني في كل
شيء هي " سلس البول " , وهو ليس سلساً مستمراً بل هو مجرد إحساس بعد قضاء
الحاجة بخروج نقاط من البول ، وكم وكم قرأت من استشارات لكن قد يكون الأمر
سهلاً عند من يفتيك لأنه لم يعان مما يعانيه غيره ، وأنا والله العظيم لولا
هذه المشكلة ما كنت فرطت في صلواتي , وأنا كنت سابقا لا ألتفت لها وكنت
أسمع من البعض يقول إنه لا يجب عليك أن تلتفت لها ، وأن تستنجي ، ثم تتوضأ
ولا عليك من أي شي يخرج منك بعد ذلك , كنت على هذا طيلة حياتي , لكن بعد أن
بدأت أبحث في المواقع الدينية وأسال وجدت أنني كنت مخطئاً .
أنا عندي عدة أسئلة وأتمنى تريحوني من هذا العذاب لأن أعظم البلاء أن يبتلي
الإنسان في دينه وأنا ابتليت في أنني لا أستطيع أن أصلي .
سؤالي :
الآن هل أُعتبر أنا كافراً كفراً يُخرج من الملة بسبب إهمالي لصلواتي طيلة
السبعة شهور ؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟ وكيف أجدد إيماني ؟ وهل يجب أن
أتلفظ بالشهادتين ؟ أريد منكم التوضيح بشكل مفصل .
السؤال الآخر :
ماذا أفعل بخصوص سلس البول ( هل يجب عند قضاء الحاجة أن أنتظر فترة قد تصل
إلى نصف ساعة في دورة المياه لكي أتأكد أنني لا أحس بخروج شيء ، ثم أتحفظ
بقماش ومعاناة تثبيت القماش أو غيره على العضو ثم أبدأ الوضوء وتبدأ معاناة
الوسواس بل أيضا تنتظرني معاناة الوسواس في الصلاة وإعادتها ) ، أنا أعلم
أن الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأنا لا أعلم ماذا أفعل في
مصيبتي هذه .
بارك الله فيكم ، لا تحيلوني لأي استشارات أخرى ، وأغيثوني ، أغاثكم الله .
الحمد لله
أولاً:
سبحان الله ، كيف تمكَّن الشيطان من الكيد لك ، والإيقاع بك ! فتختار ترك الصلاة
بالكلية ! تختار الردة ! تختار حبوط الأعمال جميعها !
نعم ، ترك الصلاة كفر مخرج من الملة ، ولا يُعذر المسلم بترك الصلاة في أي ظرف أو
حال كان فيه ، ففي الحرب يصلي ، وفي المرض يصلي ، وفي السجن يصلي ، ولا يُعذر بترك
الصلاة إن فقد الماء والتراب ، ولا يعذر إن جهل القبلة ، ولا يعذر في تركها إن لم
يكن عنده ثياب يستر عورته بها .
وقد شرع الله تعالى لكل من ذكرنا أحكاماً تتناسب مع حاله وظرفه ، من الجمع بين
الصلاتين ، وسقوط شرط الطهارة ، واستقبال القبلة ، وستر العورة ، والصلاة جالساً أو
مضطجعاً ، بل والصلاة بالنية في حال عدم قدرته على الحركة ! وكل ذلك يدل على عظم
هذه الفريضة ، وعظم شأنها في شرع الله تعالى .
ومما يدل على عظيم شأنها: أن الله تعالى فرضها على المسلمين في السماء ليلة المعراج
من غير واسطة بينه تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
فالحذر الحذر ، وإياك أن تهون ما عظمه ربك عز وجل ، وإياك أن ترضى لنفسك الدخول في
عصابة العاصين المرتدين ، فالحكم واضح بيِّن ، وليس لك عذر عند الله تعالى البتة ،
فلم يبق لك إلا المسارعة إلى الصلاة – وتغنيك الصلاة عن التلفظ بالشهادتين - ولتعوض
ما فات من عمرك بالاستغفار والطاعات ، ولتصدق في توبتك ، واحذر أن تموت وأنت تارك
للصلاة وإلا حبط عملك الصالح ، ولقيتَ الله كافراً مرتدّاً .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض ؟ ومتى يكون القضاء ؟
فأجاب :
"هذا المريض إما أن يكون قد غاب عقله – أي : أغمي عليه - : فهذا لا قضاء عليه ؛
لأنه مغمى عليه ، فاقد العقل ، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ ، وأما إذا كان
عقله معه : فلا يحل له أن يؤخر الصلاة ، يصلي على حسب حاله ، ولو بالنية ، حتى لو –
فرضنا - أنه لا يستطيع أن يتحرك : فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع
والسجود ، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم ، وكونهم في حرج : تجده إذا قيل له : صلِّ :
قال : إذا عافاني الله صليت ! هذا غلط ، خطر عظيم جدّاً ، لو مات على هذا يخشى أن
يكون كافراً ، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن
يحذروهم ، يقول : صلِّ ولو بالنية ، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان
النية ؟ لا يمكن أن يفقدها ، ولا لسانه ....، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه
متنجسة ويقول : لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً ، ولا أغسل النجاسة ، أنتظر حتى
يعافيني الله وأتطهر : نقول : هذا أيضاً حرام ، صلِّ ولو بالثوب النجس ؛ لأن الله
يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
التغابن/ 16
.
بقدر ما يستطيع ، إن قدر على الطهارة : تطهر ، وإن لم يقدر : فإنها تسقط عنه"
انتهى
.
" لقاءات الباب المفتوح " ( 163 / السؤال
رقم 9 ) .
ثانياً:
وأما حكم ما تركته من صلوات : فليس عليك قضاؤها وتكفيك التوبة والمحافظة على
الصلاة.
ثالثاً:
الذي تعاني منه أنت سببه ، فلست مريضاً بسلس البول، فأنت من جعل الخيال حقيقة ،
وجعل الوهَم واقعاً ، فمجرد الإحساس بوجود نقاط بول تخرج منك – كما تقول – ليس لها
حكم البول الخارج بالقطع والجزم ، فلا تلتفت لهذا الوهم ، ولا تبني حكما على ذلك
الخيال ، وإذا استجبت لهذا ارتحت ، وإذا استسلمت له جاءك الوسواس القهري ، وجعل
حياتك نكداً .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
بعدما أنتهي من الوضوء أشعر بأنه يخرج مني نقاط من البول , فهل يجب عليَّ إعادة
الوضوء , علماً أنني كلما أعدت الوضوء حصل نفس الشعور , فماذا أفعل ؟ .
فأجاب :
"هذا الشعور عند السائل بعد الوضوء يعتبر من وساوس الشيطان , فلا يلزمه أن يعيد
الوضوء , بل المشروع له : أن يُعرض عن ذلك , وأن يعتبر وضوءه صحيحاً لم ينتقض ;
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجِد الشيء في الصلاة , قال : ( لا
ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) متفق
على صحته .
ولأن الشيطان حريص على إفساد عبادات المسلم من الصلاة والوضوء وغيرهما , فتجب
محاربته ، وعدم الخضوع لوساوسه , مع التعوذ بالله من نزغاته ومكائده"
انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 124 )
.
وليس لك أن تنتظر فترة من الزمان في الحمام لتنتظر خروج شيء ، وليس لك أن تمشي أو
تقفز أو تعصر فرجك ، فكل ذلك وما يشبهه من تلبيس إبليس ، وإنما يوسوس بذلك للناس
ليصرفهم عن الطاعة ، وليقذف في قلوبهم الحزن ، فإياك أن تستجيب لوسوسته ، وكل ما
عليك فعله إنما هو التبول ثم الاستنجاء بعده ، ثم نضح الفرج والثياب بقليل من الماء
لتذهب به كيد الشيطان وتتخلص من وسوسته، والبول ينقطع بطبعه إذا فرغ الإنسان منه ،
ولو أنه انتظر عدم نزول شيء جديد منه ، أو راح يعصره لينشفه لم ينته، فإنه كلما
عصره استمر في النزول !
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
عن الاستنجاء هل يحتاج الى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح يستجمر بالأحجار وغيرها بعد
كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء ؟ فهل فَعَل هذا السلف رضي الله عنهم
أو هو بدعة أو هو مباح ؟
فأجاب :
"الحمد لله ، التنحنح بعد البول ، والمشي ، والصعود في السلم ، والتعلق في الحبل ،
وتفتيش الذَّكَر بإسالته ، وغير ذلك : كل ذلك بدعة ، ليس بواجب ، ولا مستحب عند
أئمة المسلمين ، بل وكذلك نتْر الذَّكَر بدعة على الصحيح ، لم يشرع ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، والبول يخرج بطبْعه ، وإذا فرغ : انقطع بطبعه ، وهو كما قيل :
كالضرع ، إن تركته : قرَّ ، وإن حلبتَه : درَّ .
وكلما فتح الانسان ذكَره : فقد يخرج منه ، ولو تركه : لم يخرج منه ، وقد يخيل إليه
أنه خرج منه ، وهو وسواس ، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج
منه شيء ، ولم يخرج .
والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الذكرلا يقطر ، فاذا عُصر الذكَر أو الفرج أو
الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك : خرجت الرطوبة ، فهذا أيضا بدعة ، وذلك البول
الواقف لا يحتاج الى إخراج ، باتفاق العلماء ، لا بحجَر ، ولا أصبع ، ولا غير ذلك ،
بل كلما أخرجه جاء غيره ؛ فإنه يرشح دائماً .
والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج الى غسل الذكر بالماء ، ويستحب لمن استنجى أن ينضح
على فرجه ماء ، فإذا أحس برطوبته قال : هذا من ذلك الماء .
وأما مَن به سلس البول ، وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع : فهذا يتخذ حفاظاً
يمنعه ، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي وإلا صلى وإن جرى البول ،
كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة ، والله أعلم"
انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 21 / 106 ، 107 )
.
وفي جواب شيخ الإسلام تفصيل لحالتك ، والجواب عليها ، فعليك التأمل في كلام أهل
العلم ، وإظهار الاحترام والتقدير لهم ، فهم نجوم يهتدي بهم من ضلَّ طريقه ، فما
عندك إنما هو وهم وخيال لا ينبغي لك الالتفات له ، ولا الاهتمام به ، وليس لك أن
تنتظر خروج شيء من البول بعد انتهائك من التبول ، وليس عليك أن تتحفظ بقماش أو
غيره.
والذي يظهر لنا أنك لست مريضاً بسلس البول، وإنما أنت استسلمت لوسوسة الشيطان فتمكن
منك.
فاسأل ربك تعالى العون والتأييد والتثبيت، وتوكل على الله تعالى في صرف الشيطان
وكيده، فإنه (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ) النحل/99.
والله أعلم