الوساوس الشيطانية
وهذا سائل يقول:
إنني أشكو من كثرة الوساوس المتعلقة
بذات الله عز وجل، تطوف بخاطري أفكار لا أستطيع أن أذكرها، لأنها لا تليق بالله
سبحانه ولكني أعاني من ترددها على ذهني كثيراً، في الصلاة وخارج الصلاة، حتى
شككت في إيماني، وارتبت هل أنا مسلم أو لا، فما علاج هذه المصيبة ؟.
الجواب:
الحمد لله حمداً كثيراً وبعد:
فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم
جملة أحاديث فيها حل هذه المشكلة، وعلاج هذه الشكوى ولله الحمد:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن
الشيطان يأتي أحدكم فيقول فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله
ورسله فإن ذلك يذهب عنه) صحيح الجامع 1657. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق
الأرض ؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت
بالله ورسوله) صحيح الجامع 1656.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من وجد من
هذا الوسواس، فليقل: آمنت بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه) صحيح الجامع
6587.
وقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي
الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا
بلغه فليستعذ بالله ولينته) صحيح الجامع 7993.
وقال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الناس
يتساءلون، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله ؟ فإذا قالوا ذلك
؛ فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ثم
ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ من الشيطان) صحيح الجامع 8182.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في
آلاء الله، ولا تفكروا في الله) صحيح الجامع 2975. وقال صلى الله عليه وسلم: (تفكروا
في خلق الله، ولا تفكروا في الله) صحيح الجامع 2976.
من هذه النصوص نستطيع أن نستخلص ست
وسائل للتغلب على هذه الوساوس والأفكار:
1- أن يقول المرء إذا انتابته هذه
الخواطر: آمنت بالله ورسوله.
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم،
فيقول مثلاً: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه
ونفثه).
3- أن يتفل عن يساره ثلاثاً.
4- أن ينتهي عما هو فيه، كما قال صلى
الله عليه وسلم: " ولينته "، وهذه وسيلة مهمة ؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في
هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر
بقدر المستطاع، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع.
5- أن يقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله
أحد) فإن فيها ذكر صفات الرحمن، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، وقراءة هذه السورة
العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس.
6- أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وفي
نعم الله، ولا يتفكر في ذات الله، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله،
قال تعالى: (ولا يحيطون به علماً)
السهــــــــر
وهذه شكوى من مشكلة السهر، وعدة أسئلة
تدعو إلى حل هذه المشكلة، فإن كثيراً من الناس يضيعون أوقاتاً طويلة جداً في
السهر.
والجواب:
إن السهر ليس نوعاً واحداً، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: السهر في طاعة الله
تعالى وهو سهر محمود، ومنه السهر في مصالح المسلمين العامة، كالجهاد والرباط في
الثغور، ومنه السهر في إحياء الليل بالقيام وتلاوة القرآن: (كانوا قليلاً من
الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون)
ولا ننسى في هذا المقام الصحابي
الجليل الذي كان يحرس المسلمين ليلاً، ويقضي وقت الحراسة في الصلاة، فرُمي بسهم
من المشركين، فأصابه السهم، فأخذ دمه يسيل، وهو مع ذلك ماض في صلاته يتلذذ
بمناجاة ربه الكريم.
وورد عن بعض أهل العلم أنهم تذاكروا
الحديث حتى طلع الفجر ولقد كان الدعاة المخلصون ولا زالوا يسهرون الليل في
مناقشة الأمور التي تؤرق الغيورين على الأمة، وتقض مضاجعهم، وتطرد الوسن عن
عيونهم، ومن ذلك مثلاً ما كان يجري بين الشيخين: عبد الحميد بن باديس والبشير
الإبراهيمي، مؤسس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، فقد كانا في فترة وجودهما
في المدينة يسهران الليل كله إلى الفجر، يناقشان أوضاع الأمة الإسلامية، وما
تردت إليه من البدع والخرافات والتخلف، ويخططان لانتشال المجتمع الجزائري من
هذا التردي.
هذا النوع من السهر سهر محمود كله،
إذا لم يؤد إلى تضييع مصلحة راجحة أو واجب شرعي أعلى منه، فإن بعض الناس قد
يسهرون في أمر شرعي، ثم تفوتهم صلاة الفجر، وهذا خطأ وخلل.
القسم الثاني: السهر المباح: وهو ما
كان على أمر مباح، شريطة ألا يؤدي إلى تضيع واجب، فمن ذلك مثلاً محادثة
المسافرين لبعضهم لتهوين مشقة السفر على أنفسهم، فقد كان النبي صلى الله عليه
وسلم يتكلم مع بعض نسائه، يؤانسها وهو في طريق سفر.
ومنه مسامرة الضيف ومؤانسته بالحديث.
ومنه سهر كثير من الناس اليوم في
أعمالهم الليلة، في هذه النوبات التي أوجدتها الأحوال المادية ولا ريب أن بعض
مصالح المسلمين تقتضي أن يكون هناك من يعمل ليلاً، كالعمل في الأمن،
والمستشفيات، والمطارات، والكهرباء، وغير ذلك.
القسم الثالث: السهر في معصية الله عز
وجل كالسهر في مشاهدة الأفلام، والألعاب المحرمة كلعب الورق، أو في أكل لحوم
الناس بالغيبة والشتائم والبهتان وما شابه ذلك من أنواع المعاصي.
وهذا السهر محرم، يأثم أصحابه
ويستحقون العقوبة من الله، وقد كثروا في هذا الزمان ؛ لأسباب بعضها مذكور في
قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدَه مفسدة
للمرء أيّ مفسده
هذه هي أقسام السهر الثلاثة، فيجب أن
نفرق بين كل قسم والآخر.
وفي زماننا هذا انتشر السهر لأسباب
منها:
1- السهر للمصالح الدنيوية، مثل سهر
بعض التجار في تدبير أمور تجارتهم، وسهر بعض الطلاب في مذاكرة المقررات
الدراسية، وينبغي لهؤلاء ومن شاكلهم أن يجتهدوا في ترتيب أوقاتهم ترتيباً
يُغنيهم عن السهر المؤدي إلى المفاسد.
2- طبيعة العصر الحاضر التي غيرت
الأوضاع الاجتماعية، فلئن كان القدماء يشرعون في الهدوء والهجعة منذ حلول
الظلام، فإن وجود الكهرباء في عصرنا يحمل الناس على أن يمارسوا كثيراً من
الأنشطة والأعمال والعلاقات التي لم يكونوا ليمارسوها في الظلام، حتى لقد أصبح
ليل بعض الناس كنهارهم.
3- انصراف كثير من الناس إلى ما يبث
من برامج وفنون في وسائل الإعلام المختلفة: من إذاعة وتلفاز، وما يسمى الفيديو
وغيره.
4- جعل أكثر الناس زياراتهم وبرامجهم
وعلاقاتهم العائلية وغير العائلية في الليل بسبب طبيعة الأعمال والدراسة،
فأصبحت تجد من النادر أن يزورك أحد في النهار، إلا في عطلة الأسبوع، وحتى مجالس
العلم صار كثير منها يقام بعد صلاة العشاء.
5- انهماك بعض الناس في الثرثرة
والأحاديث المتداعية الطويلة، وربما أزعجوا الآخرين بثرثرتهم وضحكاتهم، ولعل
انتشار هذه الظاهرة في أوساط الطلاب في الإسكانات الجامعية أكثر وضوحاً، حيث
يقوم بعض الضيوف الثقلاء بزيارتهم في سكنهم، ويمضون معهم الليل في القيل
والقال، ويلحقون الضرر بأنفسهم وبغيرهم، ثم يضيعون كثيراً من الواجبات.
6- الأرق: والأرق يسببه في كثير من
الأحيان مقارفة المعاصي والبعد عن الله تعالى، فإن البعيد عن ربه لا يمكن أن
يذوق الطمأنينة والأنس، وإنما هو في قلق دائم ووحشة واضطراب.
كما أن للمشكلات العائلية والمادية
والدراسية والعملية وغيرها أثراً بارزاً في إحداث القلق والأرق لدى الشخص حتى
تنجلي أسبابها.
على أننا لا ننكر أن هناك من يحرمه
الأرق من لذيذ الكرى بسبب خوفه من الله، وحرصه على صلاح أمته الأسيرة.
وبعد استعراض أقسام السهر وأبرز
أسبابه، نتجه لبيان الأسباب المعينة على علاج هذه الشكوى التي أصبحت وباء
فاشياً.
وعلاجها من الناحية العلمية التأملية:
أن يتفكر المرء في ما يترتب على السهر من الأضرار الجسمية، وتفويت المصالح
العظيمة، فمن ذلك:
1- تضييع الواجبات الشرعية، مثل تضييع
صلاة الفجر كما أسلفنا إما بالتخلف عن الجماعة، أو بقضائها في غير وقتها، أو
بأدائها مع الجماعة لكن دون خشوع وإحساس بسبب الإعياء الشديد الذي يجعله يصارع
النعاس ولا يفقه من صلاته شيئاً، فلا يدري ما قرأ الإمام، ولا في أي ركعة هو،
ولا يتدبر ما يقوله في سجوده وركوعه وقيامه وقعوده، ولذلك نهى رسول صلى الله
عليه وسلم عن الحديث بعد صلاة العشاء.
2- الأضرار الجسدية: ذلك أن جعل الليل
للحركة والنهار للسكون مصادم للطبيعة التي خلقها الله في الأرض والنفوس:
(وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم
الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء) (قل أرأيتم إن جعل
الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون
فيه …)
ولهذا فإننا نجد القوم الذين تنكبوا
الصراط، وخالفوا الفطرة، في حالة صحية سيئة مضطربة، وإن نوم ساعة من الليل قد
يعدل نوم ضعفها في غيره، كما هو مجرب ومشاهد.
3- تقصير كثير من الموظفين في
أعمالهم، بحيث يأتي الموظف إلى عمله منهكاً متأخراً، فيكون أداؤه ضعيفاً،
وتعامله مع المراجعين سيئاً، وربما كان في بعض راتبه شبهة بسبب تقصيره في عمله.
وقل مثل ذلك في شأن الطلاب الذين
يسهرون، ثم يأتون للمدرسة أو الجامعة متأخرين، وقد ضربوا بالمحاضرات الأولى عرض
الحائط، ثم يجلس أحدهم كرسياً على كرسي، لا يستوعب معلومة، ولا ينتبه لشرح.
4- أنه يؤدي إلى النوم في غير وقت
النوم، فينام السهران مثلاً بعد العصر، والنوم بعد العصر لغير الحاجة كرهه
السلف، أما الحاجة فلا بأس به. ثم إن هذا يسبب صداعاً وتفويتاً لوقت حيوي من
اليوم.
5- أنه يعيق عن بعض العبادات
التطوعية، فإحياء الثلث الآخر من الليل مثلاً، كيف يستطيعه السهران ؟! والتسحر
لصيام التطوع، كيف يطيق الاستيقاظ له ؟! ولا شك أن الإعياء والإجهاد سيثنيه عن
النهوض، فيفوت على نفسه خيراً كثيراً.
6- فوات بركة البكور في أول النهار،
فإن الذين يسهرون ينامون بعد صلاة الفجر، فيحرمون أنفسهم من الوقت الذي قال فيه
النبي صلى الله عليه وسلم: (بورك لأمتي في بكورها) صحيح الجامع 2841. ولا
يقدرون على المكث في المسجد إلى طلوع الشمس لذكر الله، ولا يخرجون إلى أرزاقهم
مبكرين في وقت البركة والفضيلة، وقد عم ذلك فينا، حتى أصبحنا نرى من النادر أن
يفتح تاجر متجره في وقت مبكر مثلاً.
إذا علم العاقل بهذه الأضرار الناجمة
عن السهر، وبفداحة الخسارة التي يمنى بها من جرائه، فلا ريب أنه سيسعى سعياً
حثيثاً لتصحيح وضعه، واستدراك ما فاته، وبذلك يكون قد وضع رجله في أول طريق
العلاج.
وهذه إشارات إلى جوانب عملية في حل
المشكلة يسترشد بها من يريد الوصول إلى ذلك العلاج:
1- بذل الوسع في تعويد النفس على
النوم المبكر، فإن السهر في الأصل عادة، فإذا انبرى المرء لجهاد نفسه بحزم
وبتصميم فإنه ينتصر عليها بإذن الله في بضعة أيام ويسير في ركاب المبكرين في
النوم.
2- الزواج فإن كثيراً من الشباب
العزاب غير منضبطين في حياتهم، بل يسهرون معاً، ويشجع بعضهم بعضاً على السهر،
إذ ليس وراءهم أولاد ولا زوجات، أما المتزوج فإنه يشعر أن في عنقه مسؤولية
زوجته وأولاده، فيحرص على العودة إليهم مبكراً لئلا يقلقوا، أو يخافوا أو
يحتاجوا إليه في هجعة الليل، وهو ليس في البيت، ومن جرب عرف.
3- تنمية الإحساس بالمسؤولية في شتى
المجالات التي تعينه ؛ فإن المرء يحس أن على كاهله حملاً لابد أن يؤديه، لا
يمكن أن يهدر وقته ويفرط فيه، في حين نجد غير المبالي يبدد كنوز الأوقات في
سفاسف الأمور، ولا يقدرها قدرها.
4- تعويض الحاجة إلى النوم بالقيلولة،
بدلاً من النوم في غير أوقات النوم، فإن النوم بعد العصر أو قبل العشاء مضر كما
أسلفنا وقد أوصى عليه الصلاة أمته بقوله: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) صحيح
الجامع 4431 هذه بعض الوسائل العملية لعلاج مشكلة السهر، والله الهادي إلى سواء
السبيل.
ســـرعة الغضــب
وهذه شكوى من شخص يقول: إنني شديد
الانفعال، سريع الغضب، وإذا حصل لي استفزاز، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن
وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً، وكرهني أكثر الناس، حتى
زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه
النار الشيطانية ؟.
الجواب:
الغضب نزعة من نزعات الشيطان، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا
الله، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم، وورد في السنة النبوية
علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره، فمن ذلك:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان: عن
سليمان بن صرد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان،
فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه (عروق من العنق) فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان
ذهب عنه ما يجد). رواه البخاري، الفتح 6/377. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا
غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه) صحيح الجامع الصغير رقم 695.
2- السكوت: قال رسول صلى الله عليه
وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت) رواه الإمام أحمد المسند 1/239، وفي صحيح الجامع
693، 4027. وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون
فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته، أو سب وشتم يجلب له عداوة
الآخرين، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك.
3- السكون: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله
عنه، حدثت له في ذلك قصة: فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال: أيكم يورد
على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض
فدقه " أي كسره أو حطمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي
الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء في هدم الحوض " وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم
اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم.. وذكر الحديث " الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع
رقم 694 ". وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد.. فيض القدير
المناوي 1/408.
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع
الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل
وربما أتلف مالاً ونحوه، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران، وإذا
اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية، قال العلامة
الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود: (القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد
دونه في هذا المعنى، والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه
وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة
يندم عليها فيما بعد). والله أعلم سنن أبي داود، ومعه معالم السنن 5/141.
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه
وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني
قال: لا تغضب، فردد ذلك مراراً، قال: لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465.
وفي رواية قال الرجل: ففكرت حين قال
النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. مسند أحمد 5/373
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح: صحيح
الجامع 7374، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين
يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على
إطفاء نار الغضب، ومما ورد الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن
كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة) رواه
الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176. وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه
وسلم: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس
الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) رواه أبو داود 4777
وغيره، وحسنه في صحيح الجامع 6518.
6- معرفة الرتبة العالية والميزة
المتقدمة لمن ملك نفسه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة،
إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه
وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة، قال عليه الصلاة
والسلام: (الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه، ويقشعر شعره
فيصرع غضبه) رواه الإمام أحمد 5/367، وحسنه في صحيح الجامع 3859. وينتهز عليه
الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر، فعن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون، فقال: ما هذا ؟ قالوا: فلان الصريع
ما يصارع أحداً إلا صرعه قال: أفلا أدلكم على من هو أشد منه، رجل ظلمه رجل فكظم
غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن،
الفتح 10/519.
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم
في الغضب:
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه
وسلم، وهو أسوتنا وقدوتنا، واضحة في أحاديث كثيرة، ومن أبرزها: عن أنس رضي الله
عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ
الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي
صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم
قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه
وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن، الفتح 10/519.
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم
أن نجعل غضبنا لله، وإذا انتهكت محارم الله، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى
الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته،
وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح، وغضب لما كلمه أسامة في
شأن المخزومية التي سرقت، وقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن
أشياء كرهها، وغير ذلك، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله.
8- معرفة أن رد الغضب من علامات
المتقين:
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه،
وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض،
ومن صفات أنهم ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس
والله يحب المحسنين) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم
وأفعالهم، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم، ومن أخلاقهم أنهم: (إذا
ما غضبوا هم يغفرون).
9- التذكر عند التذكير:
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه
الناس، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا
فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده، وهذا مثالهم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً
استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له، فقال له: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا
الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم
أن يوقع به، فقال الحر بن قيس، وكان من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين إن الله عز
وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)
وإن هذا من الجاهلين، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان
وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304. فهكذا يكون المسلم،
وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه
وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان، فقال لمن ذكره: أترى بي بأس
أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 نعوذ بالله من الخذلان.
10- معرفة مساويء الغضب:
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس
والآخرين، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب،
وقد يصل الأمر إلى القتل، وهذه قصة فيها عبرة.
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله
عنه حدثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر
بنسعة " حبل مضفور " فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أقتلته ؟ قال: نعم قتلته، قال: وكيف قتلته، قال: كنت أنا وهو نتخبط (نضرب
الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف) من شجرة، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه
(جانب الرأس) فقتلته.. إلى آخر القصة. رواه مسلم في صحيحه 1307.
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح،
فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه، فربما مزق ثوبه، أو لطم خده، وربما
سقط صريعاً أو أغمي عليه، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع.
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن
الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها، هو الطلاق،
واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى، فسينبئونك: لقد كانت لحظة غضب.
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد، والندم
والخيبة، والعيش المر، وكله بسبب الغضب، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى
أنفسهم، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة
الشريعة لا تنتج إلا الخسار.
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب
الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم، وارتفاع الضغط، وزيادة ضربات
القلب، وتسارع معدل التنفس، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره،
نسأل الله العافية.
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب:
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في
المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره، فلو رأى تغير لونه، وشدة رعدته، وارتجاف
أطرافه، وتغير خلقته، وانقلاب سحنته، واحمرار وجهه، وجحوظ عينيه وخروج حركاته
عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه، واشمأز من هيئته، ومعلوم أن
قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله
من الشيطان والخذلان.
12- الدعاء:
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه
أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية
الكفر أو الظلم بسبب الغضب، ولأن من الثلاث المنجيات: العدل في الرضا والغضب
صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك
على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي،
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب،
وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع،
وأسألك الرضا بالقضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك
والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان
واجعلنا هداة مهتدين). رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع
1301. والحمد لله رب العالمين.